بلاغة القرآن: سر الإعجاز البياني في كلام الله

٢٧ مارس ٢٠٢٥
آيه أحمد
بلاغة القرآن: سر الإعجاز البياني في كلام الله

تحدى الله سبحانه وتعالى العرب الفصحاء في "بلاغة القرآن"، وهي من أبرز مظاهر إعجاز القرآن الكريم منذ نزوله. فقد جاء القرآن بأسلوب بياني معجز لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثله، وتتمثل بلاغة القرآن في قدرته على إيصال المعاني بأجمل الألفاظ وأدق المعاني، مما يجعل تأثيره قويًا على القلوب والعقول. 

ومن خلال استعراض أمثلة لبلاغة القرآن الكريم والتعرف على أفضل الكتب عن بلاغة القرآن، يمكننا أن نكتشف أبعاد هذا الإعجاز وأثره في اللغة العربية والتعبير الأدبي. وفي هذا المقال، سنسلط الضوء على معنى بلاغة القرآن، وكيف تجلَّت في آياته المختلفة لتكون شاهدة على عظمة هذا الكتاب الكريم.

معنى بلاغة القرآن 

البلاغة في اللغة تعني الفصاحة، ويقال "بلُغ الرجل" بضم اللام إذا أصبح بليغًا، أي أن كلامه أصبح حسنًا وفصيحًا.

أما البلاغة اصطلاحًا فهي القدرة على إيصال المعنى إلى المتلقي بأفضل صورة ممكنة، بحيث يتوافق اللفظ مع المعنى بدقة ووضوح، دون زيادة أو نقصان في البيان. 

والمعنِي ببلاغة القرآن، هو فصاحة مفرداته، وقوة تنظيمه، وانتظام دلالته، وكذلك اتساق معانيه مع الألفاظ، ودقة تعابيره التي تؤثر في القارئ والسامع وتترك أثرًا عميقًا في النفوس.

أمثلة على بلاغة القرآن الكريم

في داخل القرآن الكريم الكثير من الصور البلاغية التي تبرز إعجازه البياني، ومن أهمها:


1. الاستعارة والتشبيه

يستخدم القرآن الكريم التشبيهات والاستعارات لشرح المفهوم المجرد بأسلوب حسيّ يلمس القلوب ويؤثر في العقول. 

الاستعارة كما في قوله تعالى: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" [ البقرة 257]، حيث استخدم القرآن الاستعارة التصريحية، فالظلمات تمثل الكفر، والنور على الإيمان.

ويأتي التشبيه كما في الآية "أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ" [ الأعراف 179]،فقد شبه القرآن الكفار بالأنعام.


2. الجناس والطباق

جاءت المحسنات البديعية اللفظية في القرآن، مما أضفى جمالًا على الألفاظ والمعاني، كما أنها تجذب المستمع وتشوقه للإصغاء والتدبر في مغزى الكلمات. 

ومن هذه الأساليب البلاغية الجميلة التي استخدمها القرآن الجناس، وهو تطابق كلمتين في اللفظ والنطق، مع اختلاف المعنى. كما جاء في قوله تعالى: " وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ" [الروم 55]، حيث جاء الجناس في كلمة الساعة فالأولى تعني يوم القيامة والثانية تعني فترة زمنية. 

أما الطباق، فهو الجمع بين الأضداد في المعنى، كما في قوله تعالى: "وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى(43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)" [النجم]. فقد جمع بين الضحك والبكاء، وبين الموت والحياة، مما يعكس قدرة الله تعالى على التحكم في جميع الحالات المتضادة في الحياة، ويزيد في جمال البيان القرآني.


3. الإيجاز والإطناب

من أهم الفنون البلاغية في القرآن الكريم هي استخدام الإيجاز والإطناب، فالإيجاز يعني اختصار الكلام دون الإخلال بالمعنى، كما في قوله تعالى:

"وَجَآءَت سَكْرِةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ َذلِكَ مَا كُنتَ مِنهُ تَحِيدُ" (ق: 19)، حيث اختُصِرَ مشهد الموت المخيف بكلمات قليلة ولكنها تحمل معاني عميقة.

وفي المقابل، يستخدم القرآن الإطناب عندما يتطلب الأمر تفصيلًا أكثر، كما في الآيات: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى(17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى(18)} [طه]، حيث استرسل موسى عليه السلام في الكلام عن عصاه وذكر أهميتها واستخداماتها المتعددة، وهذا يُعد إطنابًا.


4. الكناية

الكناية من أساليب القرآن البلاغية الجمالية، وهي ذكر الشيء بغير لفظه كما في قوله "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ" (الفرقان: 27) كناية عن شدة الندم والحسرة.


5. التكرار 

التكرار من الأساليب البلاغية التي جاءت في القرآن في مواضع عديدة وبغايات متعددة وتضفي جمالًا بيانًا وإيقاعيًا، مثلا نرى في سورة الرحمن تكرار الآية "فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبانِ"، وهذا لتأكيد تعدد نعم الله في أذهان المخاطبين، حتى يتذكرونها دائماً ويتذكرون فضل الله عليهم.

أفضل كتب بلاغة القرآن

لفهم بلاغة القرآن بصورة أعمق، اهتم العلماء بتأليف كتب متخصصة في هذا المجال، ومن أبرزها:

  • دلائل الإعجاز – كاتبه الإمام عبد القاهر الجرجاني، حيث يشرح فيه النظم في القرآن وأثره في البلاغة.
  • إعجاز القرآن – كاتبه الباقلاني، وهو من أهم الكتب التي تشرح أوجه الإعجاز البياني واللغوي للقرآن الكريم.
  • الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل – كاتبه الزمخشري، وهو تفسير يعتمد على إبراز الجوانب البلاغية في القرآن الكريم.
  • مجاز القرآن – كاتبه أبي عبيدة معمر بن المثنى، ويشرح فيه التعبيرات المجازية التي استخدمها القرآن الكريم.
  • البرهان في علوم القرآن – كاتبه الزركشي، ويتناول فيه إعجاز القرآن من الناحية البلاغية واللغوية.
  • البلاغة القرآنية في الآيات المتشابهات من خلال كتاب ملاك التأويل لابن الزبير الغرناطي.

أنواع البلاغة في القرآن الكريم

تنقسم البلاغة في القرآن الكريم إلى ثلاثة أنواع رئيسية، وهي:

1. علم المعاني

يركز هذا النوع على دراسة تركيب الكلام ومدى مطابقته للسياق المحيط به، ويهدف إلى كشف بلاغة القرآن من خلال قوة التركيب، وجمال الوصف، وروعة التقديم، وحسن الإيجاز.

 2. علم البيان

يهتم هذا النوع بكشف أسرار التعبير عن المعنى الواحد بطرق متعددة ومتنوعة، مع مراعاة مقتضيات الحال. 

ويسعى هذا العلم إلى إظهار القواعد اللغوية التي يعتمد عليها القرآن الكريم، مثل الاستعارة، والكناية، والتشبيه، لتوصيل المعنى ذاته باستخدام أساليب بلاغية متنوعة، مع الحفاظ على وضوح الدلالة.

3. علم البديع

يختص هذا النوع بدراسة كيفية تحسين الكلام وجعله يتناسب مع السياق والمقصد. ويهدف إلى إظهار الجمال والروعة في القرآن الكريم من خلال استخدام الأساليب البلاغية التي تضفي رونقًا وجمالًا لفظيًا ومعنويًا، مما يزيد النص القرآني تأثيرًا وعمقًا.

تجمع هذه الأنواع الثلاثة معًا لتشكل أساس بلاغة القرآن الكريم، مما يعكس عظمة هذا الكتاب وسحر بيانه.

أهمية البلاغة في القرآن الكريم

تتجلى أهمية البلاغة في القرآن الكريم من خلال عدة جوانب، وهي:

1. سبب إعجاز القرآن

تعتبر بلاغة القرآن أحد الأسباب الرئيسية في إعجازه، حيث كانت أولى التحديات التي واجه بها النبي صلى الله عليه وسلم مشركي العرب. فقد عجزوا عن الإتيان بمثل هذا الكتاب الفصيح، رغم براعته في فنون البلاغة.

2. وسيلة لفهم القرآن

تُعد علوم البلاغة، مثل علم البيان، وعلم المعاني، والمحسنات البديعية، من الأدوات الأساسية التي تساعد في فهم القرآن الكريم، فمن خلال هذه العلوم، يمكن للدارس التعمق في معاني الآيات وتفسيرها بشكل دقيق.

3. لغة العرب في القرآن

نزل القرآن بلغة العرب، لذلك لا يمكن فهم القرآن بشكل صحيح دون تعلم فنون البلاغة العربية، فالبلاغة هي التي تتيح للقارئ تذوق الجمال اللغوي والبياني الذي يميز القرآن عن غيره من الكتب.

4. إظهار فصاحة القرآن 

علم البلاغة يساعد على إبراز فصاحة القرآن الكريم وجمال صياغته، ويوضح الأساليب اللفظية والبيانية الرائعة التي تميز القرآن عن أي كلام آخر.

5. إدراك الأحكام والقضايا القرآنية

الفهم العميق لعلوم البلاغة يعد أمرًا أساسيًا في إدراك الأحكام والقضايا القرآنية، بما يعين على فهم المقاصد والمراد من الآيات الكريمة بشكل صحيح.

ولم يكن القرآن الكريم مجرد كتاب ديني، بل كان خطابًا موجهًا للبشر جميعًا، استخدم أساليب بلاغية مقنعة للرد على المشككين، فعندما اعترض الكفار على كلام ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم، جاءهم التحدي الإلهي:

"قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًاا" (الإسراء: 88).

فهذا يثبت استحالة أن يأتي أحد بمثل القرآن، وهو دليل قاطع على إعجاز القرآن اللغوي والبلاغي.

ختامًا، فإن بلاغة القرآن الكريم تعد من أعظم مظاهر إعجازه، فالعلم بالبلاغة القرآنية يعد مفتاحًا لفهم النصوص القرآنية وإدراك معانيها العميقة، ويظل القرآن الكريم مثالًا خالدًا للبلاغة في أعلى صورها، كما أن فهم البلاغة يعين المسلم على تدبر القرآن الكريم والتفاعل مع آياته بشكل عميق. ومن هنا، يجب علينا تدبر آياته وفهم أسراره البيانية، لننهل من نوره ونتعلم منه أسس الفصاحة والبيان.


الأسئلة الشائعة 

من هو الذي شهد بفصاحة القرآن وبلاغته؟

الوليد بن المغيرة كان من أبرز قريش وأعلمهم بالفصاحة والبلاغة في زمانه، وعندما سمع القرآن الكريم، شهد بفصاحته وبلاغته بقولٍ لا لبس فيه، حيث قال: "إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته".