التدبر غاية إنزال القرآن

التدبر غاية إنزال القرآن

لا سبيل إلى معرفة الحقيقة إلا عبر هذا القرآن أولاً، ولا يكون ما دونه من طرق المعرفة إلا توابع له وملاحق. فهو متن الرسالة، التي أرسلها رب العالمين إلى الخلق. وما سواه شروح وتفاسير؛

ومن أعجب الأوصاف وألطفها، ومن أغرب الأسماء وأروعها؛ التي سمىَّ الله بها كتابه الحكيم، هي: أنه روح!

وذلك قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ)(الشورى:52ـ53).

والروح له في القرآن خصائص. نذكر منها اثنتين. الأولى: أن جوهره ممتنع الإدراك، وإنما الشأن فيه أن نقول: (إنه من أمر الله)، قال جل جلاله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)(الإسراء:85). وسمىَّ القرآنَ هنا أيضا: (رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا).

والثانية: أنه سبب الحياة، وباعثها - بإذن الله - في سائر الأحياء. فبملابسته تحيى الأجساد، وبمفارقته تموت. كما هو منطوق كثير من الأحاديث النبوية. وذلك نحو قولهe: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكا، و يؤمر بأربع كلمات: و يقال له ‌:‌ اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أو سعيد، ثم ينفخ فيه الروح... الحديث)[1]

والشاهد عندنا أن الروح هو سبب الحياة. فهي توجد بوجوده، وتنعدم بانعدامه.

وإنما كان القرآن روحا؛ لأنه سبب حياة هذه الأمة، من حيث هي (أمة). وسبب حياة القلوب. فلا يموت قلب خالطت نبضَه آياتُ القرآن الكريم، ولا حياة لقلب خلي منها.

فاقرأ الآية مرة أخرى، وتدبر، ثم حاول الإبصار: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ)(الشورى:52ـ53). ذلك محمد بن عبد الله، عليه صلاة الله وسلامه، كان يحاول أن يخرج من ظلمات الجاهلية، إذ لم يقتنع بأفكارها، وضلالاتها؛ فاعتزلها، لكنه لم يجد تفسيرا للغز الذي يغلف هذا الوجود؛ حتى نزل عليه الروح بالروح، أي حتى نزل عليه جبريل بالقرآن من أمر الله؛ فأحياه الله به بعد موات. وأنار بصيرته به؛ فصار من المبصرين، يهدي إلى صراط مستقيم، بمعالم فصلها هذا الكتاب، الذي يصف ما بين السماوات والأرض، ويخبر عن أسرارهما، من بدء الخلق إلى يوم البعث. ويرسم الطريق للإنسان خلال ذلك كله؛ كي يسلك إلى ربه ويتعرف عليه.

ومن هنا وجب أن تكون خطوتك الأولى، في طريق المعرفة الربانية؛ أن تتعرف على القرآن، بل أن تكتشفه. ولذلك جاء الخطاب القرآني يحمل أمر القراءة للقرآن؛ تلاوةً وترتيلاً، وأمر التعلم للقرآن مدارسةً وتدبرا.

والتدبر هو غاية كل ذلك ونتيجته؛ ولذلك قال عز وجل: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)(سورة ص:29)

لاستكمال المقال الرابط التالي

https://kalemtayeb.com/safahat/item/70790