.

.

فإنّ سورةَ الفاتحةِ أعظمُ سورةٍ في القرآن, وأجمعُ آياتِ هذه السورةِ لمعاني الدينِ وحقائقِ الملةِ قولُه تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} الفاتحة: ٥،  إذ يعترفُ العبدُ بتلاوتِها بأمرين عظيمين:

الأول: أنّه عبدٌ للهِ لا يعبُدُ أحداً سواه, ولا يتوجَّه برغبتِه ورهبتِه ومحبتِه ورجائِه وصلاتِه ونُسُكِه وجميعِ عباداتِه إلا للهِ وحدَه, لا يَشرِكُ به شيئاً.

والثاني: أنّه لا يَستعينُ على قضاءِ حوائجِه، وكَشْفِ كُرَبِه وتفريجِ همومِه، وإجابةِ دعائِه وتحقيقِ آمالِه ورفعِ آلامِه، إلا بالله, فهو القادرُ وحدَه على كلِّ شيء، وهو المستعان على كلِّ شأن, وهو بهذا يَعترِفُ لربِّه بالقوَّةِ المطلقة والقدرةِ التامة، والعلمِ الكاملِ والرحمةِ الواسعةِ والربوبيةِ الشاملة, والفضلِ والمُلْكِ والإنعام، جَل جَلالُه وتَقدَّستْ أسماؤه.

وهذه الآيةُ على قِلَّةِ ألفاظِها، فإنّها تَضَمَّنت معانيَ جليلةً وحقائقَ عالية، تَستَحِقُّ أنْ يَتَوَقَّفَ المسلمُ عندها مَلِيَّاً.

فمِن ذلك: أنّ العبادةَ قُدِّمَت فيها على الاستعانة؛ لأنَّ العبادةَ حقُّ الله, والاستعانةَ حقُّ المخلوق, وحقُّ اللهِ -بلا شك- مُقدَّمٌ على حقِّ المخلوق, وهي بهذا تُعلِّمُنا الأدبَ مع اللهِ، وتقديمَ حقِّهِ وأمرِهِ ونهيِهِ على كلِّ شيءٍ؛ اعترافاً بفضلِهِ وألوهيتِه، وإجلالاً له وخضعاناً لجَنَابِه.

ومن ذلك: أنّ الدِّينَ مُنقسمٌ إلى قسمين, عبادةٌ واستعانة, ولا يَكمُلُ دينُ امرئٍ حتى يقوم بهما على أكمل الوجوه. فالصلاةُ عبادةٌ واستعانة, وسؤالُ اللهِ ودعاؤه عبادةٌ واستعانة, وأفضلُ الخَلْق مَن كَمَّلَهما وقام بهما على أكملِ وجهٍ وأحسنِ حال, وشَرُّ الخَلْق مَن تَرَكَ عبادةَ اللهِ، وتَرَكَ الاستعانةَ به على قضاءِ الحوائجِ، وكَشفِ الكُرَبِ، وتَيسيرِ الأمورِ، وشرحِ الصدور.

لإكمال بقية المقال الاطلاع على الرابط التالي

https://kalemtayeb.com/safahat/item/70787